الأحد، 14 يونيو 2009

من ينصف 
إدارة الخبراء؟


الأحد, 14 يونيو 2009
سعود السبيعي
تحدثت في الأسبوع الماضي عن العوار والقصور الذي يعتري إدارة الفتوى والتشريع منذ زمن بعيد، وهي إدارة ذات طبيعة قانونية لها من الأهمية ما للقضاء، بل هي جزء منه، واليوم سأتحدث عن إدارة الخبراء التابعة لوزارة العدل والمتصلة اتصالاً وثيقاً بالقضاء نفسه، بل إن الأحكام القضائية لا تصدر إلا بناء على اطمئنان منها للتقارير الواردة من إدارة الخبراء، التي يعدها خبراء تلك الإدارة، وهم بطبيعة الحال ذوو تخصصات مختلفة، فهناك الخبراء الهندسيون والخبراء المحاسبون وهكذا..
فالإدارة تزخر بكل الكفاءات المتخصصة القادرة على الفصل في القضايا الواردة إليها من المحاكم على اختلاف درجاتها، وكما قلت سابقاً إن تقرير الخبرة والخبير هما قاضي الدعوة، وذلك في الدعاوى ذات الطبيعة الفنية التي لا يمكن لقاضي الموضوع الفصل بها دون الرجوع لأهل الخبرة لإعانته على فهم ما استعصى عليه من أمر، يكون هو محور الدعوى والركيزة الأساسية للحكم بها.
إدارة الخبرة إذن إدارة ذات طبيعة قضائية من حيث الواقع العملي لا إدارية، كما جاء في قرار إنشائها، وأيا كان وضعها القانوني، فإن ما لفت انتباهي تردي الأوضاع في تلك الإدارة، التي هي عون القضاء وأمل المتقاضين، فليس من العدل والإنصاف أن يكون المسؤولون في وزارة العدل الذين يفترض بهم أن يكونوا أكثر الناس عدلاً وفهماً لطبيعة الأمور في تلك الإدارة، هم أكثر الناس جهلاً بما يعانيه منتسبوها، إنني أربأ بقياديي وزارة العدل من الظلم، ولا أحسبهم كذلك، لكن الأمر بات حديث الناس، وهماً يؤرق الخبراء أنفسهم فلا ينبغي أن تكون الإدارة ميداناً للصراعات الإدارية، ومثالاً سيئاً حينما تقاس مع مثيلاتها ذات الطبيعة الواحدة، فالخبراء لا يقلون شأناً عن زملائهم في ديوان المحاسبة، ولا في إدارة الفتوى والتشريع، ولا يقلون أيضاً عن خبراء وزارة المالية، لكن الفوارق الإدارية والمميزات المالية لغيرهم أكثر بكثير من تلك التي يجب أن تكون عليها إدارة الخبراء.
لا أريد أن أتحدث عن القرارات التي أصدرها الوزير السابق والنائب الحالي حسين الحريتي، ولا تلك التي صدرت بعد تقديم استقالته، فهي لا تعدو أن تكون قرارات تقديرية لمن أصدرها، بغض النظر عن عدالتها وجدواها، لكني أطالب القائمين على إرساء العدل في البلاد -وهم وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى- بأن يلتفتوا إلى هذا المرفق المهم، ويعيدوا له هيبته، فإن هيبته من هيبة القضاء، فالخبراء في إدارة الخبراء بدأوا بالتسرب من هذا الجهاز، الذي أصبح محبطاً للجميع، فهناك إحصائية بعدد الخبراء الذين قدموا استقالاتهم من الإدارة على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، وهي أعداد تنذر بأن هناك شيئاً ما لا يمكن تحمله، وهو مؤشر يجب أن يدركه وزير العدل بأن يكون على مستوى المسؤولية، وهو أهل لها، ويعيد النظر بعين الفاحص لما آلت إليه حال هذه الإدارة، وينصف المظلومين، ويبادر في إعادة هيكلتها من جديد، ويوازيها بما يماثلها مادياً ومعنوياً من الإدارات والهيئات الشبيهة لها في طبيعة عملها، مع يقيني بأن إدارة الخبراء هي الأكثر أهمية وإنتاجية من سواها، ونالها من البخس والظلم الشيء الكثير.
أنقذوا إدارة الخبراء قبل أن يتفشى فيها الفساد، فهي والقضاء عينان في رأس واحد.
المصدر:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق